الحدس والبصيرة ودور البيانات


نظري


مقدمة

كلمتان لا نجدهما في جملة واحدة الا وهما “البيانات” و “الحدس”. خصوصا بعد نهضة عصر البيانات وكثرة الإهتمام لجمعها. حدة النقاش حول علاقة الحدس والبيانات قسمت رواد الاعمال إلى فريقان في عملية صنع القرار. الفريق الأول لا يؤمن بالحدس ويرفضه جملة وتفصيلا ويجده تهديد حقيقي لإستدامة العمل. أما الفريق الآخر يجد ان الإهتمام بالبيانات مبالغ فيه والإستثمار في الطاقات البشرية ذات الخبرة افضل من توجيه تلك الأموال إلى جمع وتخزين بيانات لا فائدة منها. كلاهما يجد في فلسفته الطريق إلى البصيرة والنجاح.فأيهما على صواب؟

الحدس والبيانات

البيانات هي مفرد كلمة بيان وفي حال وجود البيان لا يوجد مكان للحدس وهذه حقيقة. لكن هل يلغي احدهما دور الآخر؟ بالطبع لا. بل على خلاف ذلك تمامًا. الأبحاث العلمية لا تبدأ الا بالحدس والظن وتلك نقطة بداية لأي بحث. من خلال تلك النقطة تجمع البيانات وتقام عليها الاختبارات الإحصائية لتأكيد تلك الظنون او رفضها. لذلك نادرا ما نجد ورقة بحثية تبدأ بالبيانات أولا ثم تحليلها ثم طرح نتائجها -فيما عدا التحليل الإستكشافي-. جل الأبحاث تبدأ بمحاولة الإجابة على اسئلة معينة بل أي رسالة علمية لا تبدأ بتحديد تلك الأسئلة تخل بالعملية العلمية للبحث.

فدور الحدس واضح ومنسجم مع تحليل البيانات. بل الحدس هو العجلة الدافعة لتنمية تحليل البيانات والحاث على جمعها. ولا يتم دور احدهما الا بتتمت دور الآخر. وفصل احداهما وتهميشه هو يزيد من مستوى المخاطرة ويهدد اي استدامية اي عمل.

بيانات بدون حدس

لكن ماذا سيحدث لو بدأنا مع البيانات مباشرًة. للأسف الكثير من المهتمين الجدد حول مجال علم البيانات يطمحون إلى تحليل البيانات (ايً كانت) والخروج بنتائج مبهرة بدون إعارة اي اهتمام لعوامل في غاية الأهمية ومن بينها دور الحدس او “الفرضية المبدئية”. لأنه بدون ذلك سوف نتخبط في البيانات وبين متغيراتها ولسوف تحكي لنا ألف قصة لا نعلم ايها حقيقة وأيها خيال noise vs signal . ولو اطلنا النظر إليها سوف نرى في فوضاها كل شي وأي شيء.

من أين تأتي البصيرة إذاُ

البصيرة هي الإدراك والنظر النافذ لخفايا الاشياء. ونعني بها هنا إكتشاف المجهول من انماط ومعلومات وفرص لا يمكن رؤيتها بوضوح بدون إستخدام ادوات وطرق تحليلية. فالسؤال الذي قد يتبادر لدينا الأن “إذا كانت البيانات تُحلّل فقط للإجابة على اسئلة معينة و إثبات أو تفنيد حدسًا معينًا, كيف لنا أن نُبصر الأنماط الخفية في البيانات مع تلك القيود. فعلًا, قد تبدو تلك الأسئلة والظنون المبدئية قيودًا لكنها في الواقع البوصلة التي ترشدك خلال رحلتك البحثية إلى خفايا البيانات. للوصول إلى البصيرة لابد أن نحرص على ملاحظة طريقنا إلى الإجابات على تلك الأسئلة. لأن ذلك الطريق يأتي بالكثير من الأسئلة التي تتبادر لعالم البيانات الفطن. من أمثلة تلك الأسئلة هي - ما هي علاقة الإجابة التي توصلت لها بالإجابة الأخرى؟ - هل ستختلف الإجابة إذا ما اخذت عينة اخرى من البيانات؟ - ما المتغيرات على الإجابة إذا ما قسمنا البيانات إلى مجموعات بحسب متغير معين (مثال: من أيام إلى شهور)

الخلاصة

ما يميز عالم البيانات عن اقرنائه ليس مهاراته التقنية فقط بل بمهارته لصياغة المشكلة وطرح الأسئلة. كذلك لابد أن يكون فضولي وباحث دؤوب في تقصي اثر الإجابة بطرق إبداعية

تعودت أن اطرح تدوينات تقنية تجسد في معظمها هذه الأفكار. ولكن لعل المحتوى سيكون ناقصا بدون التطرق إلى الفروقات الفلسفية في ادوار الحدس و البيانات والبصيرة. أو لعل الإكتفاء بالجانب التقني هو تجنب مواجهة الموضوع رأس برأس.


جرب بنفسك

كامل الكود تجده هنا

comments powered by Disqus