داتا غيكس الشرقية حلم يتحقق


آراء


الحلم

خلال احد ايام الدراسة في النصف الأخير من السنة لتحضير الماجستير, كنت اتأمل الشارع من خلال شرفة الشقة في نيوجزي وكان بيدي كتاب Data mining and Predictive Analysis للكاتب الرائع Daneil Larose. كنت افكر مليئا حول ما سوف افعله بعد التخرج. ماذا سأفعل بما تعلمته في الجامعة؟ وهل سأجد لتلك النظريات الاكاديمية اي تطبيقات عملية في على أرض الواقع؟ بعد طول تفكير, لم اجد اجابة اكثر إيفاءً وتحقيقاً للذات لهذه الأسئلة الا ان اضعها أمام العقول العربية لتجيب عليها وأن دوري في هذه المعادلة هو إيصال ذلك العلم لمن لم تتسنى له الفرصة او منعه حاحز اللغة من الوصول إليه. أمسيت ذلك اليوم و رسالتي هي إثراء المحتوى المعرفي العربي حول علم البيانات. لكن كما يعلم الكثير وخصوصا اخواني واخواتي الطلاب, معظم الافكار الكبيرة لا تأتي الا في أوقات الدراسة وخصوصا في ايام الإمتحانات و سرعان ما تتبخر بعد نهاية العام الدراسي.

تحديات الواقع

كنت متحمس جدا للهدف الذي وضعته وكنت في نفس الوقت قلق من ان يكون هذا الحماس هو مجرد.. “حماس”. كانت هناك عوائق كثيرة امامي وامور عديدة كنت اجهلها. أول سؤال تردد لذهني هو “من أين ابدء؟”. المحتوى العربي في مجال علم البيانات شديد الفقر. هناك صعوبة كبيرة جدا للوصول إلى ابجديات علم البيانات كالإحصاء والبرمجة ناهيك عن المواضيع المتقدمة كتعلم الآلة والتعلم العميق.

السؤال الأخر كان “من هم المهتمين في علم البيانات وكيف اصل إليهم؟”. قد يعتقد الكثير انه مع وجود وسائل التواصل الإجتماعي في زمن الإنترنت, الإجابة على هذا السؤال اصبحت شيء بديهي. لكن هذا الإعتقاد هو ابعد ما يكون عن الحقيقة. من خلال تجربتي البسيطة تجلى لي أن وسائل التواصل الإجتماعي منقطعة النظير عندما تكون المادة المتداولة حول الإهتمامات العامة كالترفيه والرياضة وقضايا الرأي العام لكنها تتعثر في إنشاء جسور التواصل بين المختصين و المحترفين وحتى الاكاديميين. السبب يعود لضيق الوقت لهذه الشريحة المنشغلة وانهماكها على مشاريعها وابحاثها. السبب الآخر هو شكوك هؤلاء المختصين حول ملائمة وسائل التواصل الإجتماعي كوسيلة قائمة بذاتها للتواصل والتعاون بين المحترفين.

احد الأسئلة التي راودتني هي “هل سيكون هناك استمرارية لهذا المشروع”. كم واحد منا بدأ مشروع لم يكمله. بل بعضنا انخرط في مشروع يدر عليه المال لكنه انشغل بأمور او مشاريع اخرى ادت إلى توقف مشروعه الرابح. هذا الأمر يجعل فرص نجاح اي مشروع تطوعي ضئيلة جدا. هذا التحدي فعلا وضع عزيمتي وإصراري في إختبار حقيقي.

محاولات متعددة

بالرغم من وجود التحديات التي ذكرتها, قررت ان ابدأ بأي شيء استطيع البدء به. أول فكرة خطرت ببالي هي أنشاء مجموعة على الواتساب تجمع فيها كل المختصين والمهتمين بعلم البيانات. كانت لدي أمال ان تكون هذه المجموعة نشطة في النقاش وطرح الأفكار. للأسف سرعان ما نفذت قائمة الأصدقاء من المهتمين بعلم البيانات. لم يكن هناك الا خمسة اشخاص في المجموعة. ولم تكن تلك المجموعة نشطة على الإطلاق.

كمحاولة اخرى قررت أن اقوم بمحاضرات تثقيفية لمجال علم البيانات. كنت أأمل ان القي تلك المحاضرات على حشد وفير من المهتمين من الشباب الناشئ. لكن تعود بي المشكلة إلى العثور على هؤلاء المهتمين. بدأت البحث في اوساط عائلتي متأسيا بقول الرسول صلى الله عليه وآله “خيركم خيركم لأهله وانا خيركم لأهلي”. لقد وجدت عدد من المهتمين من افراد عائلتي لكن للأسف لم يكن بالكم الذي كنت ابحث عنه.

المحاولة الثالثة كانت اكثر حظا من الثانية. بعد الفشل الذي واجهته مع مجموعة الواتزاب قررت ان ابدء بالتدوين كآلية لإثراء المحتوى العربي. لا اخفيكم سرا ان هذه المهمة لم تكن سهلة على الإطلاق. لم اكن مطورا بارعا لصفحات الويب ولم تكن الكتابة باللغة العربية من مراكز القوة لدي. رغم ذلك, بدأت اتعلم هذه المهارات حتى اصبح لدي موقع ادون فيه. البداية كنت اكتب المقال باللغتين العربية والإنجليزية لأنني كنت اواجه صعوبات كثيرة في ترجمة المصطلحات العلمية الإنجليزية إلى اللغة العربية. كانت الشهور الأولى مخيبة للأمال ومحبطة. لم يكن هناك إقبال مشجع على المقالات التي كنت اكتبها. اكبر عدد من القراء كان اقل من خمسة عشر خلال تلك الفترة. لكن الإستسلام لم يكن خيارا هذه المرة. لذلك قررت الإستمرار.

نقاط متبعثرة

إحدى نصائح مؤسس شركة ابل الراحل ستيف جوبز خلال حفل التخرج 2005 بجامعة ستانفورد

"لا يمكنك توصيل النقاط بالنظر للأمام، فقط بالنظر للوراء يمكنك إتمام تلك المهمة، ولذلك عليك أن تؤمن بأن تلك النقاط ستصبح متصلة يوما ما في المستقبل، فقط عليك أن تتحلى بالثقة في حياتك وكل شيء تمتلكه وتلك الطريقة لم تخذلني أبدا بل هي السبب في أن أصبحت حياتي مختلفة"

هذا ما كان يحدث معي بالضبط. فمحاولاتي “المتواضعة” لم تكن إلا نقاط كان ينقصها الكثير من النقاط الأخرى حتى تتصل.

نقاط محورية

حتى تثمر تلك الجهود وتتصل تلك النقاط المتبعثرة كان هناك عدة نقاط مهمة لم اكن اعلم أنني افتقر إليها. من تلك النقاط المهمة هي حساب المحلل العربي على منصة تويتر. لم يكن محتوى المدونة هو السبب في شح الإقبال والإهتمام بل كان جسر التواصل منعدم. حساب توتر انشئ هذا الجسر المهم ليس فقط للترويج للمدونة بل للإتصال مع المهتمين.

احد اهم النقاط التي جعلت من الحلم حقيقة هو وجود من لديه الخبرة في الحركة التطوعية المجتمعية. هذه النقطة اتصلت مع نقطة حساب تويتر التي هيئت للقاء التاريخي الذي لا انساه مع عزيزي علي العبد الوهاب في احد مقاهي الرياض. هناك تبادلن الأفكار والطموحات التي كنا نتطلع إليها. في ذلك الوقت كان علي قد قطع شوط طويل في اللقاءات المعرفية التطوعية من خلال تجربته مع رياض داتا غيكس. لقائي مع علي أوقد فيني الحماس للإستمرار فيما اصبح الآن هدف مشترك بيننا.

الفريق A

في يوم السبت، الثاني من شهر يونيو أرسل لي صديقي علي دعوة انضمام إلى مجموعة واتساب تحت عنوان Sharqiyah Data Geeks. في تلك اللحظة ايقنت ان النقاط بدأت تتصل ببعضها البعض. لم يمضي الكثير من الوقت حتى وجدت نفسي جزء من فريق يشاركني الحماس والطموح لصنع الفرق وإثراء المحتوى المعرفي العربي لعلم البيانات. هذا الفريق يحمل من الكفاءة و حب التحدي اكثر مما كنت اتمناه. حاليا فريقنا يتكون من الدكتور عبد الرحمن باقيس دكتوراه في التعلم العميق والذي يتمتع بنفس مرحة وشخصية رائعة . كذلك أيضا خالد الجغثمي محلل أنظمة المعلومات في شركة أرامكو ، متحدث متمكن وشخصية متميزة. وآخرًا وليس أخيرا رجل المهمات الصعبة والشخصية المتميزة فهد الشنيبر محلل أنظمة المعلومات في شركة أرامكو كذلك.

لكل فرد أحلام وطموحات تعانق السماء لكنه لن يصل إلى مبتغاه اذا لم يكن جزء من منظمومة تشاركه هذه الأحلام والطموحات والتي يستطيع من خلالها ان يعمل بشكل جماعي وروح الفريق.


جرب بنفسك

كامل الكود تجده هنا

comments powered by Disqus